أخبار المطرانية

رسالة راعي الأبرشية المطران مار بطرس قسيس

بمناسبة الذكرى الثالثة لتجليسه مطراناً على كرسي أبرشية حلب وتوابعها للسريان الأرثوذكس

أحبائي أبناء الأبرشية المباركين في حلب وبلاد الانتشار، في هذا اليوم المميز من مسيرة خدمتي الأسقفية، أردد مع صاحب المزمور وأقول: “أَرْفَعُ عَيْنَيَّ إِلَى الْجِبَالِ، مِنْ حَيْثُ يَأْتِي عَوْنِي! مَعُونَتِي مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، صَانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ” (مزمور 121: 1-2) شاكراً الله على نعمته التي ترافقنا في كل حين، وعلى محبته التي تسندنا وسط العواصف، وعلى القوة التي يزرعها في قلوبنا كل يوم، جاعلاً إيانا ثابتين في الرجاء ومواصلين السير في طريق الخدمة مهما كانت التحديات.

والحق يقال، كانت السنوات الماضية مليئةً بأحداثٍ كثيرة، عشنا فيها معًا مرارة الضيق، وعمق الألم، وثقل الأيام، ولكننا اختبرنا أيضًا فيها محبة الله، التي حفظتنا ثابتين رغم التعب. كم من مرة شعرنا أننا ضعفاء ومنهكين، فإذا بقوته في ضعفنا تُكمل!

كنتم وما زلتم شهودًا للثبات، وقدوة للمحبة والصمود. ورغم القلق، والتعب، والضيق المادي، بقيت قلوبكم مضاءة بإيمان لا ينطفئ. هذا الإيمان هو كنز الأبرشية الحقيقي، وهو العلامة التي أفتخر بها كراعي لكم.

ومع كل ما مرينا ونمرّ به من صعوبات وتحديات، سنبقى نؤمن أن الله لا يترك شعبه، وأن وجودنا في سوريا ليس صدفة، بل دعوة ورسالة. دعوتنا أن نكون خميرة في العجين، ونورًا في الظلمة، وملحًا للأرض. المستقبل لا يُبنى بالخوف، بل بالرجاء، ولا يصنعه الحنين إلى الماضي، بل الإيمان بأن الله يصنع “كل شيء حسنًا في حينه” (جامعة 3: 11).

نحن باقون هنا، لا بقوة البشر، بل بقوة الله الذي اختارنا أن نكون حرّاساً للإيمان والأمل، وشهوداً على أن الكنيسة، مهما تكسَّرت أجنحتها، لن تتوقف عن التحليق بأبنائها عاليًا نحو السماء.

فلنبقَ يا أحبة متشبثين بالمحبة التي لا تسقط أبدًا، وبالوحدة التي هي سرّ قوتنا، وبالرجاء الذي يجعلنا ننهض كل صباح رغم كل شيء. فلنكن كنيسة حيّة، تشهد بالمسيح في وسط الألم، وتزرع الرجاء أينما يُظنّ أنه لا رجاء.

وإن هذه الذكرى لا يمكن أن تمرّ دون أن نتوقف بخشوع أمام غياب راعينا الجليل المطران مار غريغوريوس يوحنا إبراهيم، الذي لا يزال اختطافه جرحًا مفتوحًا في قلب الكنيسة جمعاء. سنوات تمرّ، ولا يزال رجاؤنا قائمًا بعودته سالمًا، والرجاء لا يموت. نذكره اليوم بالصلاة، ونستودعه بين يديّ الراعي الصالح الذي يعرف خاصته ويدعوهم بأسمائهم. لنحول غيابه إلى نداءٍ متجددٍ لنا حتى نواصل رسالتنا في بناء السلام، الذي من أجله بذل حياته وخدمته.

أخيراً، لا بد لي أن أتوجه بشكر عميق:

أولاً إلى كل من مدّ يده وساهم في دعم أبرشيتنا، من جمعيات ومؤسسات وأفراد، من أبناء الكنيسة أو أصدقاء لها، في سورية والمهجر. عطاؤهم هو رسالة محبة حيّة، تشهد أن الخير لا يزال أقوى من الشر، وأن روح المسيح هي التي تجمعنا وتوحدنا.

وثانياً أشكر كل الذين خدموا ويخدمون معنا في مدينتي حلب واللاذقية، من إكليروس وعلمانيين، الكهنة ونواب رئيس وأعضاء المجالس الملية واللجان والمؤسسات الكنسية وآخرين، وكل من قدّم من وقته وجهده في سبيل خدمة الكنيسة وأبنائها بإخلاصٍ وتفانٍ. هؤلاء هم الأعمدة التي تقوم عليها الأبرشية، واليد التي تمتد دومًا لتزرع الرجاء في جسد المسيح الواحد. فليجازِهم الرب عن تعبهم وليبارك في خدمتهم ويكافئ أمانتهم بالفرح الروحي والسلام الداخلي.

أصلّي كي يمنحنا الرب جميعًا نعمة السلام، ويبارك بيوتنا وأولادنا، ويحيط مدننا الحبيبة بعنايته، ويقوّي كل من يعمل في سبيل الخير والحقّ.

ولتبقَ أبرشيتنا، برعاية الله، منارةً للإيمان والمحبّة، وشهادة حيّة للرجاء الذي لا يُخزى.

ونعمة الرب وسلامه تحل في قلوبكم جميعًا، بصلوات أمه القديسة مريم البتول وسائر الشهداء والقديسين. وببركة دعوات قداسة سيدنا البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني آمين.

صلوا لأجل ضعفي ولأجل الكنيسة والخدمة

    محبكم المطران بطرس قسيس

راعي أبرشية حلب وتوابعها للسريان الأرثوذكس

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى